سودانيات .. تواصل ومحبة

سودانيات .. تواصل ومحبة (http://www.sudanyat.org/vb/index.php)
-   الســــــرد والحكــايـــــة (http://www.sudanyat.org/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   مشوار الي أتينيه ... (http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=22336)

معاوية محمد الحسن 01-11-2011 10:20 AM

مشوار الي أتينيه ...
 
بقلم : معاوية محمد الحسن

[justify] [/justify][justify][/justify][justify][/justify][justify]
(1)_
هذه ساعة تزاور الشمس عن كهف المدينة قليلا فلا تراها تراوح نقطة الجحيم قليلا مائلة الي جهة اليمين الا بعد أن تجأر الكائنات بمر الشكوي , ألها إله و لنا آلهة ؟, تبسط كفها في النيل فتخرج أثقاله . تري أيضا الوجوه واجمة . تعمل الألة المثبتة في رأسك بشكل جيد هذا الصباح , ترتب مصفوفات الالم اليومي و يسرح خاطرك في غزالة فارعة الدهشة وسط عراك الحياة . لها نضارة تبدد كل هذا القحط , كانها نبتة وثبت طالعة من بين صخور وعرة . تحادث أخواتها في الشارع بشجو كالموسيقي الكلاسيكية في مقهي عام , و كانها تعنيك بشيء من حديثها حين قالت لجارتها :
- الله يسلمك يا فتحية !
أبصرتها تتمايل مثل غصن البان أمام دكان ( الفوراوي ) حيث ابتاعت شايا و زنجبيلا و زيت سمسم سمعت أمها تلح عليها في ان تأتي به , ثم توارت عند نهاية الزقاق , انعطفت جهة اليمين و لكنها إلتفتت . نعم إلتفتت و غاص بصرها في دواخلك كبرق يخترق سحابة فقلت في نفسك ( قد هيأ الله الآن الارض للفرح ) و قال أحدهم :
- السنارة قبضت .. قبضت !
لكنك تبدو علي غير العادة في هيئة لا يألفها رواد المقهي .
جلست و طنين البشر حول المكان يخترق مسمعك . يتحلقون حول النخلة باذخة الأفنان في الخارج و لهم عيون نهمة في مثل هذه الساعة من الصباح. و لولا موجة الحر الخانق الذي قد أطبق علي صدر الدنيا في هذا الوقت لرأيت زعيقهم يعلو و يعلو , و ضغط الدم يرتفع و ينخفض هكذا دواليك .

-(2) –
الوقت صباحا و أنت لا تشتري حصتك الصباحية من التمباك إلا من عند مرسي الفاشر مع أن الوصول الي هناك وسط هذه الحشود المتدافعة في المحطه الوسطي قد يكلفك الكثير في هكذا صباح خريفي ملبد بالغيوم و الطرقات قد علتها كميات هائلة من الطمي جراء انهمار المطر ليلة البارحة لنحو ساعتين كاملتين , و تلمح الشمس في الافق هناك و قد توارت خلف سحابة , تنعطف ناحية اليمين و ميدان الشهداء مزدهٍ بالكرنفال الصباحي , قد كانت خمر البارحة رديئة ولاشك , أما تري أن رأسك ثقيلة و معدتك تفور كالبركان من ألم !

- (3) –

عند ( ابروف ) و الحافلة في طريقها الي وسط ام درمان تنظر الي النيل و قد صارت مياهه عكرة جدا و قد فاض حتي لامس الضفاف , مثل مراهق يفيض صدره بعذوبة الحياة , زرائب الفحم , آنية الفخار و المشغولات اليدوية , نسيج الحياة المعتاد في مده و جزره و الطابية ما تزال بعيدة و كذلك سوق الموردة أما الخرطوم بحري فتبدو من بعيد كأنها بلاد اخري , أذعنت لفوضي النيل في المنحني , و احيانا لا يستطيع بصرك ان يميز ( بحري ) عن ( توتي ) أيتهما الجزيرة .
يعتريك أسي عظيم الان و هواء النيل يصفع وجهك , صوت ماكينة الحافلة يطغي علي صوت مسجل الكاسيت و مع ذلك ترخي أذنك الي صوت المغني :
- ظلموني الحبايب و قالوا لي أنسي .
غفوت قليلا حتى داعبتك الأحلام !

- (4)-

أخيرا طلعت الشمس من خلف سحابة داكنة كانت الشمس قد انتصرت عليها فبددت حلكة ظلامها و قذفت بها بعيدا في الفضاء السرمدي مبددة إياها مثل قطع صغيرة من القطن متناثرة في الهواء و أطبق الحر مجددا علي شارع النيل بعد ان إجتزنا الموردة بكثير . قبالة اب عنجة كان عسكري المرور قد أستوقف السائق سائلا عن رخصة القيادة , جالت بخاطرك موجة فرح مفاجئة أخذت تنقب عن مكمنها فما أستطعت الي ذلك سبيلا و قد قال جارك معلقا علي خبر في الصحيفة التي كان يطالعها بصوت مسموع ( آه دنياا ) .
تثاءبت حين تثاءب جارك ثم سرت رائحة أشجار الجميز علي جانبي شارع النيل في رئتيك مثلما تسري المياه في حقل جاف .

-(5)-

تقول أمي :
- تنوم لحدي ما النهار يطلع؟ .. لو ما صحيت لي صلاة الصبح , أبليس ح يجي يبول ليك في أضانك . يا ولد ما تصحي تقوم تفتش ليك شغل زي الرجال . النهار بطوله قاعد في قهوة أتينيه . تشرب الشاي بالدين من البت الحبشية الاسمها ( ترحاس ) . الله يقطع طاريها . عليك الله ما بتخجل . زيك هسي ماسكين بيوت . قنا تكمّل تعليمك و تشيل المسؤلية لاكين يا خسارة مافي فايدة. مافي فايدة .
أسمع .
أمس جارتنا ( سعدية ) جات مع بت خالتها هني و قعدوا معاي كتير . بت خالتها (مروة ) بتعرفها ؟ أها شافت كتبك الكتيرة العامل لينا زحمة في الديوان و قالت ليا يا خالتي انتي ولدك ده قرا شنو قلت ليها كدي يا يمة ولدي قرا صيدلة و دي كلها كتب صيدلة اشتريناها ليهو بتراب القروش قامت ضحكت و قالت ليا وحات الله يا خالتي الكتب دي ولا كتاب صيدلة واحد مافيها قلت ليها سجمي و حقت شنو قالت ليا جنس اسماء كدي زي اسماء الجان ( كارو مارك يس ) بعدين قالت لا يا خالتي كارل ماركس و قلت ليها حسبنا الله و ده شنو كمان قالت ليا ده كاااافر كبير . يا ولدي الله يهديك .. الله يهديك .

- انت طالع يا ولد ؟
- طالع زي الناس
- طلبتك بالنبي كان مشيت للمسنوحه الاسمها ( ترحاس ) دي في قهوة اتينيه .
صفقت الباب خلفي ثم خرجت لا ألوي علي شيء .

-(6 )-
وصلت الي أتينيه و كان هناك ماسح احذية مسكين أعتاد حشو أنفه بقطعة قماش مبللة بالسيليسيون , يناديك دائما ( يا حبة يااااا ) ثم تجلس جلوسك المعتاد و هدير المارة يفعل فعله في أغوار دماغك . عاينت جيدا فابصرت ( ترحاس ) تقوم بعملها المعتاد بهمة لا تفتر أبدا . ممشوقة القد و القوام و لو أنها حدقت اليك بعينيها المكورتين لأنتهي كل شيء حينئذ
- شاااي و لا جبنة ؟
أجعليني يا ترحاس علي لهب نارك المقدسة فانا أشتهي أن أحترق علي أتون نارك المقدسة .
رائحة شواء الضان في مطعم مجاور , سعال أحدهم يتعاطي دخانا رديئا و صوت طرقعات الاحذية علي الرصيف المجاور للمقهي .
أخرجت الصحيفة تبحلق فيها لكن كالعادة تطفل عليها أحدهم , مادا بصره نحو العناوين البارزة ثم قال :
- تسمح يا أستاذ
قرأ سبع صفحات كاملة و أنت تغلي من الغضب . تأوه ثم قال :
- تعرف يا استاذ . سلفاكير ده مش ممكن يكون خليفة لقرنق . زمان مثلا (روبسبير ) طلع الي سدة السلطة علي حساب أفكار ( جان جاك روسو ) و ( لينين ) كذلك جاء السلطة علي حساب افكار ( كارل ماركس ) لكين روبسبير و لينين كانو مفكرين برضو . سلفا ده ما مفكر عشان يستلهم افكار مفكر .
ضحكت ترحاس و هي تزيح الثوب عن وسطها قليلا .
رحت أتأمل كلمات أغنية لعثمان حسين تنطلق من مطعم مجاور !

_(7) -
جاءت بنت الدهشة و الشمس قد اتكأت صوب غروبها و أنا ثمل حد النخاع . وقفت قدام بوابة الفوراوي , تؤخر رجلا و تقدم أخري و المساء اللعين كالعهد به دائما ممتليء بشجن غريب . قالت لبائع البقالة كلاما أظنها تثير به حميتك تجاها أكثر لكنك تعمدت ان تتجاهلها و قلت للفوراوي

- سيجارة لو سمحت
- برنجي ؟
- لا أديني قولد لايف

التفتت اليك عندما أخذت تتواري في الزقاق لتنعطف يمينا و في ظلام اول المساء كأنك سمعهتا تقول :

- لا سلام و لا كلام

بعدها قامت قيامة الكائنات المضطربة بدواخلك !
[/justify]

النور يوسف محمد 04-11-2011 11:29 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

أستاذ معاوية ..

جميل هذا النص ..
و المشوار الى أتنيه فى تعرجاته مفعم بالضجيج ..
لا ينسى أن يشاكس المارة ويغوص فى تراتيب الروح ..
يتأمل حركة الحياة فى دواخل النفس ويرمق مكنونات الطبيعة
كل ذلك وتترك للقارئ بجانبك مقعداً يلتقط بعض الإجابات الخفية ..

وبين العشق والإحتفاء لطقوس اليوم الحافل يبقى المشوار الى أتينه رفضاً لنداءٍ لم يتشكل ..

وهاد ابراهيم محمد 13-11-2011 05:11 PM

أ. معاوية...

الأجمل من القراءة هنا أنها تضعني في لب أتينيه,
ثم تأخذني منها, متعجلة حيناً وحيناً بمهل..
وتعيد لي ذكريات جد حبيبة وغالية

وأتينيه بمحيطها دائم الحركة (برغم كسل المغيرب)
تصلح لعشرات النصوص, كلٌ يأخذ بتلابيب ما يُشد إليه.
فالمكان الغني يستوجب الحج, راجلين كنا او بصحبة الخيال.

شكراً مستحق.

احمد علي الامين 04-04-2012 04:37 PM

حليلك وحليل ايامك يا اتينيه

أبو العز الجنوبي 19-05-2012 12:11 AM

الحبيب معاوية
نص يشدك بجماله الرفيع...
حقيقة استمتعت جدا به ... كنت اتمنى لو لم يخلص...
اعتقد ان كثير من شباب اليوم لا يعرفون اتينيه... ياليت مثل هذه الاعمال تُصحب بهامش ...
مع ودي

واحة 19-05-2012 02:08 AM

استاذ معاوية

هكذا اتفق الجميع لهذا النص كثير من الاستاذية والمعايشة

وكانك لسان حال المكان والناس



شكرا ابو العز


تسلم معاوية


واحة


الساعة الآن 06:08 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.