ستنا السمحة و الدميرة
عمر بشير محمد
لم تكن معتوهة … كانت ممسوسة … تقول أمها حاجة فاطمة سمع أضاني ستنا بتي دي لمن دقينا ليها الزار نضمت نضمي الخواجات… ونبوية ست الزار قالت بتك دي مجكسها “بسم الله” خواجة من الجن الأحمر … قيل تزوجها … كنا صغارا فنسخر من ذلك نقول أما وجد غير ستنا القصيرة العرجاء … ستنا أصيبت بشلل الأطفال صغيرة وألتفت رجلاها … يقول ضياء الدين لابد أنه جني سيء الخلق أتي بشىء عظيم فعاقبه ملك الجان بتزويجه ستنا وحبسه بداخلها … يقول آخر بالمناسبة الجني ده بكون مغترب ما شايفين ستنا ما بتقوم إلا في الخريف …
عندما ترعد السماء ويطمي النيل وتجتاح القرى مياه الدميرة يتبدل حال ستنا … ويتلبسها كائن آخر … تجتاح ستنا حمى الكلام فتراها تجوس خلال الديار تتحدث إلى هذه وتلك لاتترك رجلا ولا أمرأة طفلا أو شيخا إلا شكت له حالها … وكيف أن نعمات اللئيمة الفاجرة بت الكلب ترصدتها ذات يوم وحملت أثرها إلى الفكي الفلاتي ود الحرام … حتى توقف سوقها وتمنعها من الزواج … تضرب على رجلها المصابة وهي تصيح وحاة الله رجلي كانت سليمة وكنت أطول منها بت الكلب … بغرت مني وخافت ما يعرسوها… مشت للفكي وعملت لي عمل كلوجت لي رجلي وبقتني في جنس الحالة دي الله لاغزا فيها بركة … ذات مساء كنت أجلس في الفناءالخلفي لمنزلنا وأمامي بعض أوراق أحاول أن أرتب فيها التحقيق الصحفي الأسبوعي الذي طلبته مني المجلة التي كنت أعمل بها إبان فترة الديمقراطية الثانية .. حيث أزف موعد التسليم وسيكون علي صباح الغد الوقوف أمام عمنا عبد الرحيم سكرتير التحرير … وهذه وقفة كنا نتحاشاها ليس لسوء في الرجل معاذ الله … ولكن لأن عم عبد الرحيم إذا ما خالفت موعد التسليم أو سلمت موضوعك ناقصا لا يستوفي أبجديات التحقيق الصحفي يجعلك تتعرض لمحاضرة طويلة عن قيمة الوقت وحرفية العمل الصحفي … أشهد الله أنها كانت محاضرات مفيدة خصوصا لمن هم مثلي ممن ولجو إلى الصحافة عبر صفحاتها الثقافية دون تأهيل أكاديمي للعمل الصحفي حيث أن دارستي في مجال أبعد ما يكون عن عالم الصحافة … إلا أن المزعج في محاضرات عبد الرحيم كان ذلك الرزاز الذي يتطاير من فمه إذا تحدث إليك … والرزاز من فمه يكون محتملا إذا كان فمه خالي من الصعوط … وهنا تكمن حقيقة المشكلة فأنا ومنذ أن التحقت بالمجلة لم أشاهد عبد الرحيم وفمه خالي … يقول لنا ود سعد في أحدى قفشاته عن سفة عبد الرحيم الشهيرة … عارف أنا لمن حيرتني حكاية سفة عبد الرحيم مشيت أفتش عن تاريخ عبد الرحيم مع السفة لمن وصلت الداية التي أرتكبت جريرة إخراجه للعالم على يديها … فلما عثرت عليها وسألتها قالت … عبد الرحيم ده بتذكر لمن جا طالع علي يدي وجيت أقطع حبل الصرة بتاعه … بطل بكا ومدا يده بسرعة في الصرة ومرق ليها علبة نيفيا من النوع الصغير … كان عاملها حقة صعوط . كنت أنحت رأسي محاولا إنهاء التحقيق حين سمعت صوت ستنا وهي تحيي شقيقتي وتسأل وينو ولدكم بتاع الصحافة ده … قبل أن تكمل شقيقتي تحيتها وتجيبها على سؤالها ..كانت قد تعدت الفناء الخارجي فرأيتها تقف بالقرب مني وهي تصيح … هوووي أنت عامل راسك الزي سرج العجلة ده … مالك ما كتبت لي في الجريدة حكايتي مع نعمات بت الكب دي … وتشوفوا لي حل مع الفلاتي ود الحرام داك … القيت أوراقي جابنا وعلمت أن رزاز عبد الرحيم “ياهو المحمدني بكرة” . تنتهي الدميرة يترك النيل جنوحه ونزقه ويعود إلى مجراه هادئا وديعا … تعود ستنا إلى وعيها فنراها تجوس مرة أخرى خلال الديار تطلب الصفح من الناس … تعانق نعمات وهي تبكي وتقول لها نعمات يابتي سامحيني … تعانقها نعمات وتقبل رأسها وتقول أمي ستنا عمري ما بزعل منك …. في الطريق التقيها أدعي الغضب وأنا أقول حاجة ستنا أنا راسي زي سرج العجلة … تضحك .. هيي أنا قلت فيك كده سامحني ياولدي … أمعن في المداعبة لا ما بسامحك … تضحك وتقول كدي سامحني شوية بس … قبل ما يجي الخريف |
..